البحث عن الحقيقة الكاملة - بنت حلوة وعود

حينما يلتقي الواقع بالوهم نبدأ البحث عن الحقيقة الكاملة
قراءة في مجموعة "بنت حلوة وعود" لمصطفى الشيمي

بنت حلوة وعود لمصطفى الشيمي

قراءة نقدية لــ محمد مخيمر
المقدمة :
تعد جدلية الحقيقة هي أهم وأول المشكلات المطروحة على الفلاسفة لتحديد أي الأشياء يعد حقيقيا وأي الأشياء يعد زائفا، فالحقيقة مرتبطة بالكذب والوهم والحيرة والشك في كل ما نراه ونسمعه ونعاينه، فهل ما يقوله الدين هو الحقيقة المطلقة، وأي دين إذن ؟ هل هناك من الأصل حقيقة مطلقة ؟ وكيف نصل إلى تلك الحقيقة؟
يأخذنا مصطفى الشيمي في مجموعته بنت حلوة وعود في جولة بين الوهم والواقع بحثا عن الحقيقة الغائبة معتمدا منهجا يشرك القارئ في أزمة الكتاب الرئيسية حينما يجعله يتساءل عن ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي داخل النص السردي من خلال استخدام مجموعة من الأساليب مثل الواقعية السحرية التي تعتمد على خلط ما هو غرائبي وغير حقيقي بما هو حقيقي في سياق سردي يحتفظ بحياديته وموضوعيته تجاه الأشياء، كذلك استخدام المنهج التفكيكي الذي يعتمد على كسر الإيهام بين المتلقي والنص، ومن خلال استخدام العديد من الثنائيات التي تبرز معنى الجدلية المفترضة في المجموعة ألا وهي الحقيقة والوهم مثل ثنائيات "الطهر والعهر" "الرجل والمرأة" "اللون واللالون" وغيرها من الثنائيات في 12 قصة قصيرة تم رسمها بعناية داخل دفتي الكتاب.
العنوان :
يعد عنوان المجموعة هو أول العتبات التي نلج منها إلى المجموعة ذاتها، وقد جاء العنوان مخاتلا مراوغا لا يفصح قدر ما يلغز، فهل نقرأ العنوان "بنت حلوة وعُود" بضم العين أم "بنت حلوة وعَود" بفتحها؟ والفرق بين المعنيين كبير ، وإن كانت الكلمة بضم العين فهل يقصد العود كعطر أم العود كآلة موسيقية أم العود مفرد عيدان ؟ ثم إن كانت بفتح العين فأي عود يقصد الكاتب وعود من؟ ثم يخاتلنا مرة أخرى لاستكشاف الدلالة من وراء العنوان فهل يقصد بعلاقة العطف لنكرتين هما البنت الحلوة والعود أن يعمم المقصود والدلالة ؟ أم يخصصها ؟ هل هي المتعة والسعادة أن تلتقي البنت الحلوة بالعطر والموسيقى ؟ أم هو الوهم والمستحيل ؟ هل تلتقي البنت الحلوة والعود الذي يحرقها ؟ أم كان يقصد العود والبدء من جديد مع هذه البنت كما ابتدأ آدم جنته مع حواء ؟
آدم / الرجل هو ذلك المسكوت عنه في هذا العنوان الملغز .. أين هو وما علاقته بالبنت الحلوة وبالعود ؟
ستزيد دهشتنا إن علمنا أن هذا العنوان هو عنوان إحدى قصص المجموعة وأن هذه القصة تخلو من ذكر واحد لهذا العود .. هل كان العنوان حقيقيا أم كان امتدادا لشرك الوهم الذي أوقعنا فيه الكاتب عمدا.
الغلاف :
يصور الغلاف الأمامي رجلا وامرأة ملونين يقفان كوجهي عملة الحياة الواحدة، يقف هو بوجهه بينما تقف هي بظهرها ، في تجريد من الملابس إلا من أزهار وألوان تغطي جسديهما ، هل هما حقيقيان أم يعبران عن الوهم كما هي الحياة التي يختلط فيها الوهم بالواقع ، تتحكم فيها التصورات والمواقف والرؤى النسبية للأشياء . وحولهما تنطلق العديد من الألوان والأشكال التي سيقرأها كل منا بطريقته وليس حسب حقيقتها.
بينما يفاجئنا الغلاف الخلفي بمقطع جريء من قصة كأس مقدس .. التي يتناص عنوانها مع الكأس المقدس في العشاء الأخير للسيد المسيح عليه السلام وتتناص القصة في شكلها مع قصة الصلب وتقول للقارئ بشكل واضح أن المجموعة ستتعامل مع التابوه الديني دون خوف، ثم في النصف الأسفل من الغلاف الخلفي تعريف بالكاتب ومنجزاته الأدبية التي فاز عنها بجوائز عديدة.


عناوين القصص :
تنوعت عناوين القصص في بنائها فمنها ما تكون من علاقة نعت ومنعوت لنكرتين (خمس قصص) "كأس مقدس، مؤخرة بيضاء، صلاة أخيرة، عمارة سوداء، ديناصور أزرق"، ومنها ما كان مبتدأ وخبرا "دودة تعشق الفودكا، الحياة خارج التلفاز" ومنها ما اعتمد العطف (قصتان) "بنت حلوة وعود، مريمة والناي" ومنها ما اعتمد علاقة المضاف والمضاف إليه (قصتان) "توق الفراشة، إنجيل يهوذا" بينما كانت هناك قصة واحدة تكون عنوانها من كلمة واحدة "بازل"
وهو ما يؤكد على تنوع العناوين بالشكل الذي يكسر حدة الملل في تلقي العنوان لاختلاف بنائه اللغوي.
كما لم تكن العناوين فاضحة لمضمون القصص، ولم تكن كذلك مجرد عناوين بل كانت جزءا أصيلا من النص السردي لما تحمله من رمز أو معنى مكمل أو بلورة لفكرة، فمنها ما كان تناصا مع الموروث الديني مثل كأس مقدس وإنجيل يهوذا اللذان يفتحان الباب للتفكير فيما يمكن أن يكون عليه متن القصتين، ومنا ما يطرح التساؤل عن الحدث مثل الحياة خارج التلفاز، ومنها ما مثل عنوانا غرائبيا مثل دودة تعشق الفودكا وديناصور أزرق.
الافتتاحيات والنهايات :
تنوعت الافتتاحيات التي استهل بها الكاتب قصصه بين افتتاحيات خبرية أو استفهامية أو حتى تنويهية، لكنها اتفقت في معظمها أن الكاتب يبدأ دائما من نقطة اشتعال الحدث أو الصراع، يبدأ البداية التي تدخلنا للحدث مباشرة دون مقدمات كثيرة وهو ما ساعد على سرعة الإيقاع وتصاعده على مدار الحدث الدرامي.
بينما لم تتنوع نهايات القصص كثيرا؛ حيث كانت معظمها مغلقة تعطي نهاية حاسمة للحدث الدرامي لكنها في ذات الوقت كانت نهايات تضع القارئ أمام نفسه في تساؤل عن مدى حقيقية ما قرأ أو عن ما يمكن فهمه إن قرأ القصة ثانية أو عن ما يمكن استنتاجه من حقيقة الأمور.
فكانت كل نهاية تطرح صرخة ما في وجه القارئ تجعله يعيد النظر في كل ما حوله مرة أخرى فمثلا كانت نهاية القصة الأولى "هذه الحياة هي الموت" صرخة تثير التساؤل حول حقيقية الحياة وهل الموت هو الحياة أم أن الحياة فعلا هي الموت؟.
كما جاءت نهاية قصة بنت حلوة وعود تحمل الانغلاق والانفتاح في آن عندما تجعل القارئ أن يقوم بكتابة النهاية المحتومة بنفسه بعدما قدم له الكاتب كل المعطيات التي تؤدي لهذه النهاية، فيجعل القارئ يقول لنفسه ستكون النهاية واحدة رغم اختلاف البدايات.. فالقدر سيظل واحدا مهما حاولنا أن نغيره
التصاعد الدرامي :
كان الحدث الدرامي متصاعدا بشكل منطقي ويؤدي إلى النهاية المرادة بشكل جيد. وكانت الحبكة جيدة رغم غرائبية بعض الأحداث، فكان التماسك ظاهرا ويظهر منطقا خاصا متسقا ومتناسبا مع القصة وأحداثها.
كما ابتعدت العديد من القصص عن البناء التقليدي للقصة واعتمدت منهجا تفكيكيا يحتاج قراءة مختلفة وواعية مثل قصص بنت حلوة وعود، توق الفراشة التي اختلط فيها الواقع بالقصة فتماهيا في بعضهما بشكل رائع، وقصة كأس مقدس التي استخدم فيها واقعة الصلب كتقنية سردية يقطع بها الحدث الدرامي لعرض تاريخ الشخصية، وقصة عمارة سوداء التي ابتدأها واختتمها بتنويهين هامين خارج متن القصة لكنهما ضروريان لتفهم الماوراء ويكسران إيهام القارئ ليعيد بناء القصة كل مرة من منظور مختلف ، فيقول في بداية النص
"حقيقة : القصة تعرج بالبطلة
طابقا تلو الآخر
لكن الغريب هو
أن كل فقرة (طابق) تعلو الأخرى
تظهر - من حيث الشكل – أسفلها"
بينما يقول في نهايته :
"إشارة : كل فقرة تأتي أسفل الأخرى
هي تعلوها من حيث الشكل
لكن .."
كما اعتمد الكاتب على تقنية الراوي المشارك أكثر من تقنية الراوي العليم وكان ذلك في حوالي ثماني قصص مقابل أربع قصص بتقنية الراوي العليم كان في أحدها الراوي محايدا لا يعرف ولا يرى أكثر مما يرى القارئ ، وهو ما يعد مناسبا لفكرة البحث عن الحقيقة فالراوي المشارك لا يعلم علما مطلقا، بل يظل حبيس معايشته للواقع دون أن يعرف كل شيء.
الشخصيات :
على الرغم من أن القصة القصيرة تعتمد الحدث الدرامي بطلا وتعتمد الأشخاص محركين لهذا الحدث نجد أن الكاتب اعتمد الشخصيات محورا لجميع قصصه يدور حولها الحدث وينشأ من أجلها.
فكان الرجل والمرأة وعلاقتهما السريرية حاضرة في معظم قصص المجموعة، يدور حولهم الحدث الدرامي فنجد مريمة ونور وأميرة والأم ومريم وشيري وياسمين العاهرات الفاتنات الشبقات الراغبات في الحرية والألوان كما نجد حمادة وخالد والفتى والمخرج الرجال العاجزين والفحول ..
شكلت ثنائية الرجل والمرأة بمختلف حالاتها مبررا دراميا لخلق حالة البحث عن الحقيقة في صراع الشرف والعهر وصراع العشق والموت .
التناص :
استخدم الكاتب كثيرا تقنية التناص في المجموعة بشكل ملفت للنظر وخاصة التناص مع الموروث المسيحي الذي ظهر جليا في أكثر من موضع وبأشكال وأنماط مختلفة.
فالتناص اصطلاحا يشير للعلاقة المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى ليس تأثرا وإنما تفاعلا بما قد يؤدي لإعادة الترتيب أو الإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع المتناص معه أو التحويل أو المحاكاة. وقد كان الكاتب بارعا في استخدام التناص مع الموروث الديني لتنوير فكرته ، فكان التناص محاكيا لواقعة الصلب في نص كأس مقدس حينما استخدم شكل الصليب لسرد تاريخ نور الذي أدى لصلبها على صليب العهر.
بينما كان التناص يستخدم التلميح كما حدث في عنواني "كأس مقدس" و"إنجيل يهوذا" لما لهما من معانٍ دلالية في العقيدة المسيحية فالكأس المقدس هوما كان في العشاء الأخير قبل واقعة الصلب، وإنجيل يهوذا هو الإنجيل الذي يبرئ يهوذا الاسقريوطي من تهمة الوشاية بالمسيح عليه السلام وخيانته.
كما كان تناصا محاكيا لقصة المسيح مع مريم المجدلية ومصطفى مع مريم العاهرة من خلال معجزة تحريرها من الشياطين السبعة، ثم طردهما بعد أن خانه أحد الأصدقاء "يهوذا" ، وعندما أصبحت حواءه وأكلا من الشجرة المحرمة تناصا مع قصة آدم عليه السلام، كذلك مع قصة إبراهيم عليه السلام في قصة "بازل" عندما هدم سور المسجد "الأصنام" وترك الفأس على جزء السور غسر المهدوم "كبيرهم"
كما تناص الكاتب تحويلا وعكسا للنص المتناص معه عندما جعل العاهرة مسيحا .. والمريمة العذراء شبقة.
جدلية الحقيقة
تظل جدلية البحث عن الحقيقة هي البطل الرئيس الذي تمحورت حوله جميع القصص وجميع الشخصيات ويؤكد لنا الكاتب ذلك من أول لحظة حينما يقول على لسان بطل القصة الميت الحي صفحة 7 : "ماذا لو شموا حقيقتي ؟ الناس يمقتون الحقيقة" فتكون الحقيقة هي ما يهرب منها الناس،
كما يقول صفحة 13 "كان يريد أن يرى تلك الأشياء رؤية العين، لأن الرؤية كما يقال هي ام المعرفة ودليل القلب" فالبطل هنا يريد أن يعرف وأن يرى معتقدا أن الرؤية تعطيه الحقيقة لكنها لم تفعل حينما "لم ير عزرائيل أيضا الذي كان جليا في المشهد" ص 18.
كما يقول في قصة "صلاة أخيرة" ص 57 "ميلتون قال أيضا إن لوسيفر فارس أسطوري، وكتب الحقيقة كما وسوس بها لوسيفر. وفي المقابل .. كانت الكتب السماوية تزيفها بالعديد من الحقائق الأخرى. من قال الحقيقة كاملة ياترى ، الرب أم الشيطان؟"
كما طرح في نص بازل ص 66  رؤية مغايرة للأذان "سمعت أذان الفجر يدوي في السماء "حي على الكفاح .. حي على الكفاح .. الحق أكبر" فكان استخدام اسم الحق ملفتا بالإضافة للفظة الكفاح وهي وسيلة الحصول على الحق.
كما يقول في قصة عمارة سوداء صفحة 82 "الشارع بالخارج مظلم بالمثل، لكن أعمدة الإنارة تكذب على الناس، وهي تريد الحقيقة. ما الحقيقة؟" كما يقول صفحة 86 "كانت تعرف أنها لن تعرف شيئا؛ لأن الموتى لا ينطقون للأحياء. لم يكن أمامها سوى الانعتاق من الحية نفسها من أجل الحقيقة"
كذلك ص 84 "أهل الحي يصرخون "اترك ابنتنا" من يقصدون من الفتاتين يا ترى ؟ البائسة أم القتيلة. صرخت الفتاة "جئت إلى هنا بمحض إرادتي" أي الفتاتين قالت هذا؟"
كما طرحت كل قصة تساؤلا عن كنه الحقيقة فنجد القصة الأولى طرحت تساؤلا عن واقعية المشهد هل هذه الحياة هي الموت أن أن الموت هو الحياة؟
بينما طرحت قصة بنت حلوة وعود فكرة حقيقة الموت التي لن نهرب منها حتى لو اختلفت البدايات فالخناقة بين خالد (القتيل) وأميرة (العاهرة) حدثت في المرتين .
أما في توق الفراشة لا يعرف القارئ ما هو الحد الفاصل بين الواقع والقصة .. من يكتب من ؟ ، أما في كأس مقدس كان كسر التابوه الديني واختراقه بهذا الشكل كافيا لخلق مثل هذا التساؤل على الرغم من طرحه مباشرة حين قال على لسان البطلة "هل يصدق المشاهدون أن المسيح يمكن أن يكون امرأة" كما قال "سيترك المخرج للمشاهدين والشياطين أيضا حرية التلقي" ص 29
كان الاختلاف في قصة "إنجيل يهوذا" مبررا للطرد .. فأين الحقيقة وأين الصواب، أما في الحياة خارج التلفاز ظل القارئ لا يعرف من قتل أم رباب ؟ هل هي أم عماد أم شخص آخر ؟ أين الحقيقة؟
كذلك في قصة صلاة أخيرة حينما انتهى المشهد بشكل عبثي حينما استعاذ البطل من الشيطان الرجيم بقلبه فلم ير لوسيفر ولا خيانة الأم ولا عشيقها .. فحل السلام على الأرض ؟ أين الوهم هنا وأين الحقيقة؟
وبينما كان الكاتب مشغولا بطرح فكرته الرئيسة على كل مكان في المجموعة لم ينس أن يقول لنا أن الوصول للحقيقة سيكون عن طريق عدة أشياء أولها التفكير خاصة إن كان من خارج الصندوق فنجد كلمة فكر ويفكر قد تكررت أكثر من مرة في أكثر من قصة عمارة سوداء وديناصور أزرق ، أما ثاني الأشياء فكانت الكتابة فيقول ص68 "سنبدأ بالكتابة أولا على السور ، لأن الكتابة – ولا شيء سواها- هي الحل وبعدها سنحطم كل الأسوار
أما ثالث الأشياء فهو الثورة على المألوف واتخاذ الطريق المغاير حتى وإن كلف ذلك الحياة نفسها ؛ فنجده يقول في قصة "توق الفراشة" صفحة 24 "هي لن تستسلم بعد اليوم لأي نص ولن تلتزم بالدور المفروض عليها" ، كما يقول على لسان بطل نص توق الفراشة ص 24 و 25 "أعرف قيمة القلم ودور الممحاة ، وأعرف أيضا متى ألتزم بالنص ومتى أثور لأجل النص أيضا" كما يقول ص 33 "ستعيد قراءة آدم وحواء وتفاحتهما وتعطي للحكاية دلالات أخرى"
كذلك نرى مصطفى ومريم حينما تمردا على عادات وتقاليد المجتمع في إنجيل يهوذا، ونرى هدم سور المسجد في قصة بازل.
أما في قصة ديناصور أزرق قدم الكاتب رؤية مغايرة للتمرد وهي شكل الحياة حينما نقلد الناس ونرى أوهامهم .. فبدلا من وهم ديناصور واحد بدا وهم آلاف الديناصورات فيقول ص 91 "الديناصور الذي ظهر فجأة في شوارع القاهرة لم يكن وحده ، كان هناك آلاف من الديناصورات تطاردنا وطيور الرخ والعنقاء وغيلان كثيرة ، كل هذه الأشياء ظهرت فجأة في الطرقات عندما قررت أن أعدو مع الناس وأهرب بعيدا".

الثنائيات
استخدم الكاتب الثنائيات المتضادة للتأكيد على فكرته في الصراع للوصول للحقيقة الكاملة والمطلقة فنجد ثنائية الله والشيطان في قصة صلاة أخيرة ، الرجل والمرأة في معظم القصص بصور مختلفة مثل الطهر والعهر، العهر والنبوة، الشهوة والموت
الأسماء
على الرغم من هامشية الشخصيات في القصة القصيرة إلا أن الكاتب اهتم بدلالات الأسماء التي أوردها في نصوصه فكانت دائما تدل على غير حالها فكانت تأكيدا دائما على حالة الحقيقة الغائبة فمثلا في قصة بنت حلوة وعود نجد القتيل يدعى خالد والفقيرة اسمها أميرة، ونجد في قصة إنجيل يهوذا أن العاهرة اسمها مريم وحبيبها مصطفى الذي اصطفى نفسه على البشر، وصولا لأمنية الابنة التي تعاني من السرطان.
المكررات
تعددت إشارات الكاتب المقصودة بتكراره بعض الجمل في أكثر من نص مما يعطيها دلالة خاصة مثل خرم الباب الذي استخدمه الكاتب مرتين الأولى في قصة بنت حلوة وعود حينما قال أن "الأنبياء فقط من يملكون الرؤية من خرم الباب" والثانية في قصة كأس مقدس حينما قال ص 33 "لن تنسى مراقبة والدها الذي يسكن خرم الباب الضيق" فالسلطة الأبوية والدينية موجودة في الحالتين.
كذلك جملة السيجارة الأولى تفسد كل شيء التي تكررت في قصة "بنت حلوة وعود" وقصة "مؤخرة بيضاء"
الألوان
كان استخدام دلالات الألوان ملفتا وموظفا بشكل جيد في هذه المجموعة فكان اللون الأزرق هو لون الموت والليل والسكون والهدوء هو أيضا لون البحث عن الحقيقة.
بينما كان اللون البنفسجي هو لون الروحانيات ، واللون الأحمر لون الدم ولون الحب ولون الثورة كما كان هناك الأبيض والأصفر والأسود. ألوان طيف هي تفريغ للون وحيد يمثل الحقيقة .. فكانت الألوان جزءا من الحقيقة وليست الحقيقة الكاملة .. كذلك كان هناك اللالون .. من ضد من .. من الحقيقي ومن المتوهم
الخاتمة
بنت حلوة وعود مشروع كتابي متكامل وليس مجموعة من القصص المجمعة، مشروع اجتمع على فكرة رئيسة سخر لها الكاتب جهوده وإبداعه ، على الرغم من أنني أرى أن نص مؤخرة بيضاء يغرد خارج سرب المجموعة ولا يتماس مع قضيتها بشكل كبير، مجموعة تمتاز بلغة صادمة وصريحة كثيرا وشاعرية ملهمة في بعض الأحيان. مجموعة امتازت بإخراج جيد ولكن عاب الإخراج الترقيم السيء للصفحات ونوعية الخط المستخدم.

بنت حلوة وعود مجموعة لن تنتهي منها حتى تعاود قراءتها من جديد في شغف لمعرفة الحقيقة واستكشاف ما وراء المعنى في كل نص على حده . مجموعة تتساءل عن وجود حقيقة مطلقة ، فالاعتقاد بعدم وجود حقيقة مطلقة يحتاج أن تكون هذه الفكرة في حد ذاتها حقيقة مطلقة

تعليقات

المشاركات الشائعة