إنجيل يهوذا - قصة قصيرة - مصطفى الشيمي

إنجيل يهوذا 

قصة قصيرة
مصطفى الشيمي


Guercino - Mary Magdalene in Penitenc


نشرت في جريدة التحرير بتاريخ 3/4/2013
*فازت بالمركز الرابع في مسابقة دار جان للنشر في المانيا 2012


ليسَ للعاهراتِ الحق في أن يعشقن، أعرفُ هذا جيدًا؛ لأنني عاهرة. أدعى مريم. أحبُّ الوقوفَ عاريةً أمام مرآتي، أتأملُ جسدي الشهي الهائج، المشتعلَ بالشهوة، وأظمأُ إلى فراشِي المبتلِّ بالعرقِ. أعيشُ في بيت دعارة صغير بالقربِ من كنيسة جميلة، قد يخلو البيتُ من الزبائنِ، لكن جسدي لا يخلو من الشهوةِ، فألجأُ أحيانًا إلى مضاجعةِ بعض الشياطينِ. أذكرُ عدد الذين ضاجعوني جميعًا، كانوا خمسين إنسيًّا وسبعة شياطين.
العاهراتُ يحملن وشمَ النبوة فوق نهدِهن الأيمنِ؛ لهذا يحج إلينا المتعبون للصلاةِ بأجسادِنَا كل مساءٍ. لم أقابلْ من يقدرُ على الكفرِ بجسدي، هو كتابي السماوي المدهش ومعجزتي الإلهية. حين أزورُ السوقَ أرى الجميع يراقبونني بأعينِهم، ويرجمونني بالنظراتِ. لم أقابلْ من يملكُ سلطانًا ليقول:" من كان منكم بلا خطية فليقرأها مرة أخرى"، ترى ماذا يكون رد فعلهم لو قرأوا الصلوات السرية المكتوبة على جسدي، حينها فقط سيكفرون بي ويكفّرون الجميع.

كانوا يجلسون في الهيكلِ عندمَا تفلَ المسيح على الأرضِ وصنعَ من التفلِ طينًا وطلى بالطينِ عين الأعمى فأبصرَ، فأمره بالذهابِ للاغتسال في بركةِ سلوم. سأل يوحنا: "يا معلم كيف نبصرُ؟، فأجاب المسيحُ:" آمِنوا بالنورِ حتى تصيروا أبناء النورِ"، ثم سألَ يوحنا سؤالا آخر، قال:" ولمن الخطية يا معلم؟"، سكتَ المسيح قليلًا ثم قال:" لو كنتم عميانا كانت لكم الخطية، ولو كنتم تبصرون فخطيتكم باقية!".

للعاهراتِ الحق في أن يعشقن، أنا أعرفُ هذا جيدًا، لأنني لا أدينُ أرواح القديسين. أدعى مصطفى؛ لأنني اصطفيتُ نفسي على البشر. قابلتُ القديسة مريم في غرفتها، جئتُ لقضاءِ ليلة عادية كأي زبون عادي لكنها سجدت عند قدمي حين رأتني وقالتْ:" أنتَ، حررني من سجني أرجوكَ!"، أرتنى بعض صلواتِها السرية المكتوبة بالحناء فوق جسدِها المدهش، وأرتني أيضًا كل أسرارِها الأنثوية. ثم قبلتني وقالت:" بقبلتك تطرد الشياطين السبع من جسدي"، وبعدها توحدنا معًا في الملكوتِ، فقررتُ تحريرها من كل قيود الشياطين.
عندمَا عدتُ إلى بيتي كنتُ حائرًا، أبحثُ عن حيلة تحررها من غير دم. لكن لم يكن هناك طريقة للوقوف ضد الجميع سوى الحرب، عليّ أن أحملَ سيفي أو أخسر. أخبرتُ والدي الشيخ بما أريدُ، قلتُ : "أريد الزواجِ من فتاةٍ تدعى مريم"، قال : "نعم الاسم هو، تقربًا للعذراءِ"، قلت : "لا، هي أقربُ للمجدليةِ". فنظرَ إلي بغضبٍ وطردني من البيتِ. ذهبتُ إلى صديقي في المقهى، وقلتُ لهما:" أريد الزواجَ من فتاة تدعى مريم، لكن أبي رفضَ وطردني من البيتِ"، سألني الأولُ:" ولماذا رفضَ؟"، فأجبتُ:" لأن أبي شيخٌ!"، سألني الثاني:"وأين المشكلة؟ تزوجها سرَّا"، فأجبتُ: "شرطُ الزواجِ الإشهار!" ، قالا:" فماذا أنت فاعل؟"، فأجبتُ:"سأتحدى الجميعَ!"

اجتمعَ رؤساء الكهنةِ والكتبةِ وشيوخ الشعب بدار "قيافا" رئيس الكهنةِ وقالوا بغضب:" يسوع يحيي الموتى!"، سألهم قيافا أن يهدأوا حتى يفهمَ ما يقولون، فقال أحدهم:" إلعازر عاد إلى الحياةِ، قال يسوع "لأجلِ مجد الله يعود، فماذا عن مجدنا نحن؟". غضبَ قيافا وقال:" ليس على الموتى أن يعودوا للحياةِ"، وقرروا أن يصلبوا المسيح في هذه اللحظة.

الجميع يعرفون جيدًا أن مريم عاهرة، لو أخبرتهم أنها قديسة لن يصدقوا. أتعجبُ كيف لا يرون هالة النورِ فوق رأسها؟ شعرها الأسود المجدول يهديني إلى الحقيقةِ، كل ضفيرة منها هي الطريق، فلماذا يريدون رجمها وصلبي؟ بالأمسِ، لم نكن نعرف بوجود أية مكيدة، دخلنا إلى شقتنا الجديدة، وعندمَا أشعلنا الضوءَ، فوجئنا بوجودِ جميع أهل الحي فيها. طردونا، وطاردونا، ألقوا بحاجاتنا كلها من النافذةِ في الشارعِ، شدوا شعر مريم الجميلة، قطعوا قميصي، حاولتُ الدفاعَ عنها، وجدتها تبكي، وجدتني أبكي، كان الجميع من حولنا مجانين. جرينا في طرقات الحي، فلم يتركونا، ضربني أحدهم بعصا غليظة على مؤخرة رأسي، ومزق أحدهم فستانها حتى
بدا نهداها. تركونا أخيرًا للأطفال كي يرجمونا بالحجارةِ حتى وصلنا إلى نهايةِ الشارع. ركبنا تاكسي، فسألنا السائقُ: إلى أين؟ قلنا: "إلى أي مكان، لا يوجد هاهنا مكان يتسع لنا، فقد تساوت الأمكنة" كانت مملكتنا بعيدة جدا عن هذا العالم.
جلسنا أسفل شجرة تفاحٍ، نامت هي على حجري، واستندتُ بظهري على جزعِ الشجرة، مررت يدي بين خصلاتِ شعرها شاردًا، شعرت بالجوعِ، قطفتُ لنا تفاحة من الشجرة المباركةِ، تساءلت ماذا سيحدث لو أكل البشر جميعًا من شجرة آدم؟ أجبتُ: ربما أدركوا الحقيقة كلها. فكرتُ في حقيقة صاحبي الخائن الذي أخبرهم بنصف الماضي، وتساءلت من يكون منهما يا ترى؟!

احتضنَ المسيحُ الصليبَ وسار إلى جبلِ جلجلة، مدمى الجسد، ضعيفًا وخائفًا. سقطَ على الأرضِ كثيرًا، وكثيرًا جدا لم يستطع النهوض. فجاءوا برجلٍ يُدعى سمعان ،كان عائدًا من الحقلِ وسخروه لمساعدته في حملِ الصليبِ. همس الرجلُ:" ماذا فعلت كي تستحقَ الصلبَ؟"، فأجاب المسيحُ:" أحببت امرأة!"، فأومأ سمعان بحزنٍ وقال:" ومن ذا الذي وضعك على الصليب؟"، فسكتَ المسيح قليلًا ثم قال:"هو يهوذا الأموي، خال المؤمنين!"


مصطفى الشيمي يكتب إنجيل يهوذا

تعليقات

المشاركات الشائعة