الملواني يصارع الأناكوندا في "أزمة حشيش"

الملواني يصارع الأناكوندا في "أزمة حشيش"

أزمة حشيش - مجوموعة قصصية لأحمد الملواني

قراءة مصطفى الشيمي ..
ما بين هموم الكاتب وهموم المواطن العادي، تدور قصص المجموعة القصصية في متاهةٍ، أو في فجوة عميقة لا قرار لها. الكاتب يدركُ خلل المنظومة كلها، المنظومة السياسية والاجتماعية والثقافية، ويهاجمُها بضراوة من أجل تحرير الفرد من قيودِها، وفي ذات الوقت فإن مشكلات الفرد تتجلى في هوامش المجموعة القصصية، في حياة الكاتب اليومية، وهي المشكلات التي لا تتعدى حدود أزمة الحشيش المسيطرة في المجتمعِ.  

وهنا تتجلى عمق الفجوة بوضوحٍ، وتنقلبُ الطاولة، ويصير لهوامش المجموعة القصصية، في عين القارئ، أهمية تتعدى نفوذ قصص المجموعة بأكملِها، هذه الهوامش التي تصنع صورة وهمية ومخادعة لشخصية الكاتب والتي يسعى القارئ لمعرفتها أكثر، ومعرفة تفاصيل حياتها، لأنها شخصية يعرفها بالفعلِ، أو يعرف من يشبهها، خارج حدود الورق، وينسى القضايا الكبيرة التي تطرحها هذه الشخصية.  

تستمرُ أزمةَ الكاتب طوال المجموعة القصصية، الكاتب المهمش، المغمور، الذي لا يسعى إلى الوصول للقارئ بقدر ما يسعى إلى الوصولِ بالقارئ إلى منطقة أخرى. لكن المجتمع يفرضُ طقوسًا معينة تحول دون تحقيق هذا، أولها تقديم قرابين السمع والطاعة لعواجيز وكهنة المعبد، وثانيها الوصول إلى القارئ،المغيب، اللاهث وراء الحشيش، بلغة يفهمها ومواضيع يميلُ إليها ويستطيع أن يفهمها.

استطاع أحمد الملواني أن يقدم هذه المعادلة، المجموعة التي تعجبُ القارئ العادي وتبهرُ القارئ المثقف، من خلالِ بنية المجموعة القصصية ككل، بهوامشِها التي تجذبُ القارئ العادي، وببنية كل قصة على حدة، والتي كانت برغم لغتها السلسلة والسهلة، عميقة ومبتكرة من حيث فكرتها أو بنيتها.  

كانت بداية المجموعة القصصية بقصة أوان المد، والتي تتحدثُ عن التيه، وتساوي الاتجاهات الأربع في عين البطلين، أو ربما البطل الواحد الحائر، فكانت هذه البداية تعكسُ شاغل الكاتب الرئيسي والذي ظل مستمرًا طوال المجموعة إلى نهايتِها في قصة رقصة بونكيو الأخيرة، والتي يمسكُ فيها طرفَ الخيط الذي يمنعُ بونكيو من أن يصيرَ، حقًا، هذه المرة، طفلاً حقيقيًا حرًا.

كان الإيحاء حاضرًا طوال الوقت، في الحديثِ عن الجانب السياسي، بشكل أكثر إبداعا من الرواية الأولى للكاتبِ "زيوس يجب أن يموت"، فهنا نجد الكاتب لا يصرح بشيء على الإطلاقِ، بل على العكس يجعل الأشياء تتحدث بما تريد وإن كانت بلا رؤوس أو ألسنة، مثل الأبطال الذي أكلت الأناكوندا رؤوسهم ومع هذا ظلوا أحياء أو هكذا يظنون.

جميع قصص المجموعة تتسم بهذه الرغبة في التجديدِ، ففي قصة مثل انفصال نرى الفلاش باك بطريقة مبتكرة، وهو الفلاش باك الذي يحتوي على فلاش باك الذي يحتوي بدوره على فلاش باك آخر وهكذا، صورة داخل صورة داخل صورة... الأهم من البنية هو الاتساق مع المضمون، وهذا هو ما سيتضح في نهاية القصة، وهي النهاية التي لها مذاق واقعنا المرير والقبيح.  

غير أن الكاتب لا يستسلم، يكتب، ويسخر من هذا الواقع، ولا يخشى التغريد خارج السرب، والتحليق فوق الأسلاك الشائكة، ولا يختبئ من بنادق الصيادين، أو من حيوان الأناكوندا الطليق في شوارعِ القاهرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة