حي..والهروب من مدينة الموتى
حي..والهروب من مدينة الموتى
![]() |
غلاف رواية حي لمصطفى الشيمي تصميم الغلاف لصابرين مهران |
الصوفية .. روح الواقعية السحرية
قراءة نظير حسني
حقيقه؛ حين شرعت في قراءة رواية " حي" كنت متوقع اني مقدم على عمل جيد لروائي ناشئ و لكن بعد المضي في أول فصلين منها اتضح لي خطأ تصوري ، و اتضح لي انه عمل فني ابداعي حق في مصاف الروايات العربية الكبرى . من الطبائع السائده في الأدب الصوفي التحليق بالقارئ فيما فوق سماء الدنيا ، و الهروب من كل ما هو دنيوي ، الى كل ما هو روحاني سماوي لا يصل اليه سوى الصفوة القادرين على التحليق ، و يزداد الارتقاء و الصعود كلما تشبع النص بحالة أكبر من الوجد. لكن في رواية " حي" نجد مصطفى الشيمي كسر هذه القاعده و اكتفى بالارتقاء فوق سماء الدنيا فقط دون ان يتعداها ، و ليس هذا قصور أو ضعف في موهبة الكاتب اطلاقا ، انما اراد ان تكون حالة وجد روحانية مستقاه من الواقع ولا تنفصل عنه ، مزج كل ما هو صوفي بكل ماهو دنيوي ، و استطاع مصطفى ان يوحد هذه الثنائيات المتضاده الروح و الجسد/ السماء و الأرض / الواقع و الخيال ،و يكسبها طابع سحري أو بصورة أوضح ، كانت حلقة الربط بين هذه المتضادات / الثنائيات هي ( الواقعية السحرية ) .
و استطاع بهذا الرابط خلق حالة ذوبان كلي تام بين كل عناصر الطبيعة الداخلية و الخارجية المتواجده في الرواية ، القرية ، ليلي ، الولاده الاسطورية للبطل ، وردة و الأشباح ،المطاريد ، حديث الموتى ، مشهد النهاية ، ولكن شبه لهم ،،،،، ستكتشف ان الصوفية و الواقعية السحرية وجهان لعملة واحده ، مما أوجد حالة من الشطح يصعب الفرار منها ، و ستجد نفسك تنساق بأقصى سرعة لجموع المتصوفه في نهاية الرواية و تردد و تلوح ورائهم ، سيتضح لك كل ما هو خفي غير منظور و يتجلى في صورة كل ما هو ظاهر مرئي ، ستصل الى حالة من الادهاش يصعب التنبؤ بها ، و لن يستطيع صياغتها الا روائي كاشف ، قادر على ادخالك في هذه الحالة من الاتحاد. اعتمد الشيمي في روايته على اسطورة التضحية ، حيث قام في بنايته على ثلاث انماط ميثوليجية لها طابع الضحية ، المسيح و الحسين و الحلاج ، و من وجهة نظري انه قسم هذه الاساطير بمدلولاتها على طول الرواية ، و لن اخوض في التوضيح و اكتفي بالاشارة لهذه الدلالات و اترك للقارئ اكتشاف هذا التسلسل بنفسه ، كي لا اقحم نظرتي عليه.
على المستوى البنائي ... وفق مصطفى الشيمي في خلق خطين سرديين رئيسيين متوازيين يتحدان في النهاية للوصول الى الذروة الدرامية المبتغاه ، و التسلسل القصصي في هذه الرواية يسير بأقصى ما لديه من سرعة للنهاية دون التعثر في عوائق أو مشوبات تعطله عن سيره ، و بالوصول لهذه الذروة يتجلى للقارئ كل ما هو لم يكن يفطن أو يتضح له طول الرواية ، أو ان مشهد النهاية / الاتحاد هو فك لطلاسم هذين الخطين السرديين . و اعتمد الشيمي في وصفه على الايجاز و التكثيف ، لا الاسهاب و التطويل ، فبمجرد قوله ( قرية) يتوارد لذهنك كل ما هو خاص بالقرية ، و اعتمد في الوصف لكل ما هو شاذ أو غريب أو دخيل على الواقع ، أي ان الوصف جاء لتوظيف و اضفاء صفات جديده لدلالاته و ليس للاطالة و المحاكاة ، و قد وفق بتميز في توظيف ( عنصر التشويق) مما اعطى للرواية حالة جذب خاصة اضفت على الرواية سرعة في التسلسل ، دون ادنى شعور بالملل أو التعثر ، و ساعد في هذا اللغة التي كتبت بها الرواية ، فهي لغة سلسه ، مفصله لا مرتبكة ولا معقده . و رغم الاشارات البسيطة التي وضعها للدلالة على ( الزمان و المكان ) الا انهما كان بهما بعض الابهامو ساعد هذا الابهام - ان كان يقصده ام لا- في فتح مساحة كبيرة لوضع ما يريد من الاسقاطات و الدلالات الرمزية التي يستوعبها النص و رغم ان البعض يرون ان الابهام من العيوب التي يجب تجنبها ، الا انه في هذه الحالة ضرورة فنيه ، و قد استطاع من خلاله ان يعقد حالة من التناص مع الاساطير القائمة في الرواية و مع بعض النصوص المقدسه ، ولولا هذه الحالة من الابهام لكان هذا التناص مجرد اشارة عابرة لا حالة رئيسية في الرواية .
و على المستوى الشخصي , اعدت اكتشاف صديقي الذي لم أكن اعرفه ....
تعليقات
إرسال تعليق