أشرف الخمايسي يشيد برواية حي

أشرف الخمايسي يشيد برواية حي لمصطفى الشيمي


..
أشرف الخمايسي

..
انتهيت من قراءة "حي" للروائي المصري "مصطفى الشيمي".
وهي من الروايات التي لا يتمكن قارئُها من سرد أحداثها، إذ تتشعب وتتفرع وتمتد كشجرة كثيفة الأغصان، لكن يمكنه رؤية جذعها بوضوح وتتبع حلقات نموه.
..

الفكرة: إدانة الاستبداد.
المكان: قرية في صعيد "مصر".
الزمان: غير واضح، ربما الربع الأول من القرن العشرين.
الحدث الجذع: عمدة غاشم ارتقى إلى العمودية بعد قتل أبيه، وثائر حالم متغير الأحوال يبدو مرات عبيطا ساذجا، ومرات فيلسوفا، ومرات صوفيا؛ يتزعم مجموعة من أطفال القرية لتصحيح المسار، لكن الأمر ينتهي بإلصاق إحدى الجرائم الدينية به، هدم ضريح ولي صالح مدَّعى، ومعاقبته بالإعدام.
..

حرك "الشيمي" أحداث روايته على خلفية غرائبية دائما، حيث حضر بقوة عالم المقابر وتقاطعات الأحياء مع الموتى، ووصف تجمعاتهم في العالم الآخر؛ ورحلة غرائبية في الصحراء هدفها زيارة أولياء الله الصالحين على طول خط الصعيد؛ ودور نشيط للعفاريت والجن في السيطرة على الطرق والترع، ودور آخر لمطاريد يظهرون كالأشباح.
..

أجاد "الشيمي" استعمال لغة وأسلوب يتناسبان وهذه الأجواء الفانتازية، ما أدى إلى نعومة تحريك سطور الكتابة إلى الأمام بسلاسة، لينجح طوال الوقت في إيهام القارئ بواقعية لاواقعيته.
لم تقدم الرواية جديدا عن فكرة الاستبداد، أو المستبد، بل طابقت بين مستبد الرواية ومستبد الواقع بإسقاط ساذج، قديم قدم رواية "شيء من الخوف"، حتى أن تخييلي القرائي لم يجد غضاضة في اختلاط صورة وجه العمدة "هشام" بصورة وجه العمدة "عتريس".
..

تتعرض الروايات القائمة على الترميز، مثل "حي"، لمشكلة كبيرة لو لم يكن الترميز خافتا وهامسا ولبيبا، فخلاف ذلك يتحول إلى ضجيج في ذهن القارئ مهينا لعقله؛ وأظن أن "الشيمي" لم يفلت من هذا الفخ الترميزي، إذ جاء توظيف الأطفال سيئا من فرط مباشرته، كما أن "ليلى" لم تمثل غير الثيمة الشهيرة للوطن المستباح، و"سلمى" هي نفس الثيمة المشهورة للمرأة الألعوبان، وهكذا.
..

لكنها الرواية الأولى لهذا الروائي المصري الشاب ومع ذلك تلفت انتباهنا بقوة إلى ما يمور في وجدانه الروائي من خيال جامح، وقدرته على تسطير جمله باقتدار، ما يعني أنه واحد من ندرة مهيئة للتحليق بعنفوان إلى سماوات الإبداع متناهية الرحابة.
لندخل عام 2016 الإبداعي بـ"مصطفى الشيمي".

تعليقات

المشاركات الشائعة