عُطارد .. وجمالية القبح - قراءة مصطفى الشيمي




عُطارد .. وجمالية القبح

نشرت في جريدة القصة القصيرة العدد السادس



قراءة مصطفى الشيمي
نتيجة بحث الصور
رواية عطارد - محمد ربيع
"ما لا يقتلك، ببساطة يجعلك أغرب"، هذه الجملة التي قالها الجوكر في فيلم Dark knight تعد أفضل إستهلالا للحديث عن رواية عُطارد. ففي هذه الرواية نرى عالمًا كاملا صار أغرب، ونرى أبطالا لم تقتلهم ثورة ٢٥ يناير، لأنهم لم يكونوا محظوظين بما يكفي، فتحول عالمهم إلى جحيم حقيقي. وربما تكون عبارة أخرى كالتي قالها دانتي في الجحيم "أيها الداخلون. اطرحوا عنكم كل أمل"، تعد استهلالا جيدًا، وبالأحرى خير نصيحة للقاريء.
يأخذنا محمد ربيع في رواية عُطارد إلى عالم شديد السوداوية، فاستهلال العمل يبدأ بجريمة قتل؛ أب قتل جميع أولاده، وقام بطبخهم والتهامهم، وهي حادثة لا تبدو غريبة تمامًا، فالصحف المصرية تنقل مثلها كل يوم، ونقرأها بلا اهتمام، ونحن نشرب الشاي. تلك الحادثة لا علاقة مباشرة لها بأحداث العمل، لكنها خيط رفيع يشير إلى أن القادم مفزع، نحن دمويون، نتلذذ بالدم، فإذ أخذتنا الرواية إلى القاهرة عام ٢٠٢٥ وقد سقطت أسفل أقدام الإحتلال، ورأينا المدينة مظلمة، وظالمة، وتحكمها قوانين لا منطق لها سوى خيط الدم الأول، خيط الدم الذي رآه البطل في مدخل الرواية وذكره بأشياء كثيرة. لا عجب إذ أن نتجول في تلك المدينة وأنفاقها وعاهراتها وقتلاها وقتلتها، ونرتدي- نحن أيضًا- أقنعة لنا، مثل بقية شخوص الرواية وأبطالها، فالأقنعة تليق بنا في مدينة لم تعد فاضلة، وربما لم تكن.
في المستقبل القريب نرى كابوسنا، ونراه كابوسًا فقط لأننا نقف في منطقة زمنية مغايرة، لكن جميع الشخوص كانوا يتعاملون مع هذا الواقع بشكلٍ شديد اللامبالاة: سقوط القاهرة، الإحتلال، العاهرات، الفوضى التي تملأ الشوارع، القتلة والقتلى، كلها أشياء لا تشغل بالهم، الحياة أقوى من الموت، وهذه حقيقة مؤسفة. إننا نرى كابوسا هو وليد واقعنا، لأن ثورتنا ملأتنا أرواحنا بمذاق الدم. ونرى هذا الكابوس من خلال لغة لا تحتمل أية زخرفة أو مراوغة، هي لغة قناص، مباشرة، كالطلقات. تريد فقط نقل الصورة لنا، فالصورة المرئية-لا الجمالية- هي كل مبتغى الكاتب من اللغة. الصورة القبيحة إن أردنا الدقة، هكذا كانت اللغة تنقلها لنا بلا أي زيف أو تجميل.
الكتابة عن القبح، كتابة مغايرة عما اعتدناه أيضًا، فموضوع الأدب -كما ألفناه- هو الجمال، ومن خلال علم الجمال نتعرف على جماليات النص، لكن في رواية عطارد كان القبح هو الصورة التي تبتغي كاميرا محمد ربيع/ كلغة، نقلها. ليس بصفتها الضد، فلا وجود لأي نوع من الجمال في مدينة محمد ربيع الفاسدة. وقد نقلت هذه الرواية موضع القبح في عقولنا؛ وطرحت أسئلة – طُرحت في الغرب، مثل: هل القبح نقيض للجمال، أم قيمة جمالية في ذاتها؟ وما هي جماليات القبح؟ هذه إشكالية لم يتم تجاوزها في الكتابة العربية، أو التطرق إليها، رغم أن هناك كتابات غربية جعلتها موضوعًا للدراسة كـ تاريخ القبح لأمبيرتو إيكو، ومذاق القبح لغويناييل أوبري.


وعودة مرة أخرى إلى عطارد، حيث يأخذنا محمد ربيع في أزمان مختلفة، لا رابط حقيقي بين هذه الأزمان، ٢٠٢٥م، و٢٠١١م، و٤٥٥هـ، ثم ٢٠١١، و٢٠٢٥. فقصة صخر الخزرجي لا علاقة لها بأية أبطال النص في ٢٠٢٥، و٢٠١١. هذه البنية المفككة يربطها بطل رئيسي هو الجحيم. وهو رابط متخيل، ومختلف عن البنية التقليدية. يقوم القاريء بالمشاركة في تكوين، وربط، ذلك العالم. بعد أن شعر بالضياع والفزع. كانت قراءة الرواية جحيم، لأنها عالم لا يقوم على معاييرنا، بعيد الصلة عنا، بل إنها رواية تهدم معاييرنا تمامًا. هذا من حيث تكنيكها، أما موضوعها، فهي رسالة من أعماق ذلك الجحيم، وبلسان صخر الذي قام، كقيامة المسيح، ليصرخ فينا "أنت ابناء المكر، أنتم من عاشوا على الأمل، ولا أمل".




-->

تعليقات

المشاركات الشائعة