في الكتابةِ آلهة عظام؛ سأهدمها

في الكتابةِ آلهة عظام؛ سأهدمها
لوحة مشاهير العالم .. للرسامين: داي دودو - لي تيزي وزانج آن
مصطفى الشيمي

  في الكتابةِ آلهة عظام، من شدة ولعي بها سأهدمها. لا أحمل فأسًا بل مجرد قلم؛ هذه هي طريقتي في اقتحام المعبد. توجد طرق أخرى لا تليق بي، التودد إلى الحراسِ، العبيد، الكهنة، أو تسلق الجدران. في الكتابةِ كن نرجسيًا؛ إذا لزم الأمر.(1) والغرور تهمتي المحببة منذ طفولتي. وكأني أراني من أعينهم طفلا غريبًا، يعيش بينهم في جنوب مصر، يسكن أمام النيل، يراقب الشمس كل نهار، تقول؛ راقبني كيف أعلو وتعلم. لو أخطأت تأويلي سأصير عابرًا، والعابرون موتى. لم أحكِ يومًا طفولتي، سخرية الأصدقاء من الشعر والأدب؛ ماذا ستكون؟ كاتبًا! آلهًا! لكن الآلهة تسكن السماء، والميادين، ونحن نراك تمشي على الأرض، تأكل الطعام، وتتبول. أنتَ من لحم ودم، كن مثلنا. أرفضُ، سأعلو، فيذعرون. من السهل أن أنسى، وأصير غيري، لكنني ابن لغتي، وابن طين الأرض. الحكايات التي أسمعها، ولا أعرف مصدرها، لا أستطيع تجاهلها. ربما تلعنني. من المفزع أن تكون مختلفًا، من المفزع أن تكون على حقيقتك. لأنك لا تشبههم سيرونك مغرورًا، لا ترضى بطينتهم، وربما كل ما في الأمر أنك من طينة أخرى.
  اعرف نفسك(2)، هذه الحكمة الأولى، وأنا أعرفني. أحبُّ الكتبَ، الموسيقى، السينما. لا أصادق الجميع، لأنني أحذر يهوذا. يكفي أن أكون في غارٍ؛ فينفجر الوحي فيّ. الوحدة، لا الله، هي حظ النبي.(3) هذه الوحدة تجلب الأعداء، لأنك خارج الدائرة، والخارج عن الدائرة منبوذ أو مكروه.

  آلهة مثل كافكا، وزوسكيند، ميلان كونديرا، سالينجر، كانوا يحبون العزلة، وأنا مثلهم، أو أقل قليلا. (4) لا مشكلة مع أحد تجاه هؤلاء، بل إن عزلتهم محببة إلينا، لكن من أنت لتشارك  الآلهة في مزاجها الإجتماعي؟ أنت لم تصر إلهًا بعد، لم يعطك أحدٌ صكًا مختومًا، وكأن الآلهة تنتظر مثل هذا الصك.
  ثمة دورة لا يعرفها القراء، كيف يتم تنصيب الآلهة الجديدة في المعبد، لعبة قائمة على مبدأ الغش، إن عرفت اللعبة فالعب بها. (5) إثنى عشر جائزة أدبية لا تجلب لك المجد، بقدر ما تجلب لك الأعداء. لا الجوائز الأدبية تكفي، لا الأعمال الجيدة. إنها لعبة أخرى تتعلق بالسوق، الأرض، والأغصان المتشابكة، وأنا معنيٌ أكثر بلعبة الكتابة، لا أبال بشيء آخر. الجوائز الأدبية لا تجعلك إلهًا، بل تجعلك محط الأنظار، الأعداء يرونك، يهاجمونك، وهذا سيء لمن يحبّ العزلة. البعض قد يكرهك لأنك لا تلعب بقواعدهم، أو لا تجالسهم، والبعض قد يكرهك فقط لأنك أفضل منهم. (6)

  نغني دومًا بأن الزمن سينتصر للأعمال الجيدة، اليوم لا أصدق هذا كثيرًا. الزمن ليس عادلاً، والحياة كذلك. الليث كان أعلم من مالك؛ لكن أهل مصر خذلوه. (7) كثيرًا ما ترن في رأسي هذه الحقيقة، هذا زمن الحق الضائع.(8) وصلنا جميعًا، اليوم، إلى نقطة اسوأ مما كنا عليها، ويخيل إليّ أنني أرى رجلا، يمشي حافيًا في الشوارع، يبصق علينا، لأننا خائفون من الاعتراف بحقيقتنا. (9)


______________________________________________

   (1)   وكُنْ نرجسيّاً إذا لزم الأمرُ - " محمود درويش"
   (2)   اعرف نفسك  - "سقراط"
   (3)   الله حظُّ النبيّ  - " محمود درويش"
   (4)   أَنا لاعب النَرْدِ، أَربح حيناً وأَخسر حيناً أَنا مثلكمْ أَو أَقلُّ قليلاً.  -   " محمود درويش"
  (5)   أنت فهمت اللعبة فالعب إن اللعبة غش   -  "نجيب سرور"
  (6)   إنهم يكرهونني لأنني أفضل منهم - جون سنو/ صراع العروش "جورج آر. آر مارتن"
  (7)   الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به   - "الشافعي"
  (8)   هذا زمن الحق الضائع لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله ورؤوس الناس على جثث الحيوانات ورؤوس الحيوانات على جثث الناس فتحسس رأسك  - "صلاح عبد الصبور".
  (9) “! الخوف قواد .. فحاذر أن تخاف قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد .. : لو بعدها الطوفان قلها فى الوجوه بلا وجل الملك عريان .. ومن يفتى بما ليس الحقيقة ! فليلقنى خلف الجبل .. انى هنالك منتظر – "نجيب سرور"

تعليقات

المشاركات الشائعة