مصطفى الشيمي: لا أكتب أدبًا نظيفًا ولا أحب الودعاء الطيبين.
حوار محمد عمران
مصطفى الشيمي، روائي وقاص مصري، حاصل على العديد من الجوائز الأدبية
منها جائزة دبي الثقافية، وجائزة أخبار الأدب، وجائزة كتاب اليوم، وجائزة المجلس
الأعلى للثقافة، وجائزة المركزية لقصور الثقافة. د صدر له رواية حي، ورواية سورة
الأفعى، ومجموعة بنت حلوة وعود، ومجموعة مصيدة الفراشات.
كان لنا معه هذا الحوارحول سورة الأفعى التي دخلت مؤخرًا القائمة القصيرة لجائزة ساويرس.
- لماذا اخترت أن تكون لغة سورة الأفعى لغة شعرية؟
عالم سورة الأفعى عالم مرهق، وملغز، فهو يدور حول الإنسان؛ سيد هذه
الأرض. واللغة شفرة؛ منظومة من الرموز التي لابد من تحليلها لفهم الخطاب؛ وهنا
لابد من تحليلها لفهم الإنسان، النفس البشرية المرهقة، التي تدور حول النقائض. إذا
كان موضوع النص هو هذه النفس، العصية عن الفهم، بخيرها وبشرها، فمن غير الممكن أن
تأتي الإجابات مباشرة، بل لابد أن تكون مراوغة، مثل دوافعنا، ورمادية، مثل طبيعتنا
البشرية، قصيرة ومتوترة، مثل طبيعة صراعاتنا اليومية، ومريبة، مثل سلوك أعدائنا
وأصدقائنا. في النص يتصارع الأبطال، على خلفية أغنية طفولية "خمسة عشر رجلا
ماتوا من أجل صندوق"، هل يبدو هذا الصندوق سببًا قويًا للحرب؟ قد يطرق هذا
السؤال رأس القارئ، ما فائدة الحروب؟ ولماذا لا نعيش في سلام؟ صراع الأبطال هنا
على هذه الشاكلة، فهم يتصارعون على أشياء قد تبدو صغيرة لنا، لكنها منطقية وفقًا
لدوافعهم. والحرب موجودة ، وستظل موجودة دائمًا. واللغة هنا لا تنفيها، بل تقول كل
شيء، ولا تقول شيئًا. إنها تفتح باب الحرب على كل الاحتمالات.
-
البعض يرى أن كل جزء
في سورة الأفعى يصلح كقصة قصيرة، فما رأيك؟
كان الشعر حاضرًا في لغة "سورة الأفعى"، وكذلك القصة
القصيرة حاضرة في بنية النص؛ يمكننا قراءة هذا وفقًا لشعرية النوع الأدبي، لم تعد
الحدود بين الأنواع الأدبية قائمة كما هي، ثمة حال من الذوبان والتداخل بين
الفنون. في قراءة الناقد الكبير د. صلاح السروي فإن "هذا نص ينسب نفسه إلى
جنس الرواية، رغم أنه يأخذ ما شاء من الأنواع الأخرى؛ من قصيدة النثر، والشعر،
والقصة القصيرة"، وفي قراءة الناقد والروائي د. محمد سليم شوشة فإن
"سورة الأفعى، ليست رواية بشكلها الكلاسيكي القديم، بل بشكلها الحداثي، أمام
كتاب معرفي، يتناص مع عدد كبير من الخطابات والنصوص الأخرى، ويتناص كذلك مع عدد
كبير من الفنون الأخرى". وبهذه القراءتان، فنحن لسنا أمام رواية بشكلها
التقليدي في ظني. القصة القصيرة حاضرة
هنا، وفقا لبنية النص الروائي، باعتبارها شظايا، متناثرة، قد تشعر القارئ بالضياع
والتشتت؛ ذات الضياع الذي يشعر به أبطال سورة الأفعى الممزقون من هول الحروب في
المنطقة العربية، ومع الانتهاء من القراءة فإن هذه الشظايا تكون صورة أكبر.
-
سورة الأفعى مليئة
بالمشاهد الجنسية والألفاظ المثيرة، لماذا اخترت ذلك؟
أنا لا أخدع القارئ: لا أكتب عن عالم مزيف، لا أكتب أدبًا نظيفًا. لا
أحبّ الودعاء الطيبين، ولا أبشر بأرضٍ يصير الذئب فيها صديقًا للخرفان. الجنس صورة
من صور القوة، كل سلوكاتنا يمكن تفسيرها وإرجاعها إلى الجنس؛ في رأي فرويد، وفي
عالم الرغبات والشهوات والمشاعر المدفونة، كيف يمكن للجنس ألا يكون حاضرًا. في
الدعاية يكفي أن تستخدم امرأة جميلة لتقنعك بشراء ما لا تريده، والأمر سيان في
عالم السياسة. في سورة الأفعى، فالقوادة هي صفة ذلك العصر؛ الممتد من (الحرب العالمية
الثانية إلى ثورة 25 يناير)، وبين السياسي والقواد لا فرق كبير، هكذا تطرح سورة
الأفعى رؤيتها لعالمها.
-
العمل الروائي بمثابة
رسالة يريد الكاتب توصيلها للقارئ، فما رسالة سورة الأفعى؟
النص هنا خطاب ثقافي؛ مجموع رموز ودلالات، وفقًا لعلم الأسلوب؛ فهذه
رسالة موجهة إلى القارئ، والقارئ يتفاعل معها، ويحاول فك رموزها وتحليلها، ومن ثم
فهمها، وفقًا لمنظومته الثقافية. ما ناتج هذه القراءة؟ هذه أسئلة لا يستطيع الكاتب
تخمينها والإجابة عليها، فالرسالة تتغير من قارئ إلى آخر، وأي محاولة لتحديدها،
بكلمات مباشرة، تناقض عملية الإبداع والتلقي؛ فالفن قائم على الإيحاء. إذا اتفقنا
على ذلك، فيمكننا أن نقدم إجابة أخرى، أو أسئلة أخرى، ما هو الشر؟ ما هو الخير؟ هل
ثمة خير كامل؟ هل ثمة شر كامل؟ هذه أسئلة قديمة، وإجابتها قديمة كذلك وخادعة، تصور
لنا العالم بين الأبيض والأسود، الخير واضح، والشر واضح، وهذه كذبة طفولية. لا
حدود فاصلة بين الخير والشر، فهما متداخلان؛ وإذا كان ثمة أبيض وأسود بهذا الوضوح،
فهما لونا الأرض، باعتبارها رقعة شطرنج.
-
البعض يرى أن سورة
الأفعى من أهم الروايات التي صدرت في السنين الأخيرة، بماذا تفسر أهميتها؟ وما
الذي يميزها عن أعمالك الأخرى؟
سورة الأفعى تبدو كأنها تحتفي بالشر، تغوص داخل النفس البشرية، تعري
الإنسان، تعرض يهوذا هنا باعتباره صورة أخرى للمسيح، مقابل ثلاثين قطعة فضة، نبيع
الأنبياء، وقد نبيع الله أيضًا، حتى يصير الواحد رئيس سلطان الهواء. من يريد قراءة
رواية كهذه؟ رواية لا تكذب، القراء يحبون الروايات التي تكذب عليهم، وبطريقة ما
فإن سورة الأفعى تكسب أهميتها من صدقِها. ما يميز سورة الأفعى عن أعمالي الأخرى،
هو ذلك الصدق، أنا لم أكتبها بل أُوحى إلي بها، رأيتها في حلمٍ أو كابوس. وعندما
استيقظت من النوم سارعت لكتابتها كما الممسوس من الشياطين، هذا ما لم يحدث معي في
عمل آخر.
-
ذكرت في إحدى
الحوارات أنك شخصية انعزالية، لا تحب الاحتكاك بالناس كثيرًا، لكن من يقرأ سورة
الأفعى سيلاحظ أنك تعرف مصر وأهلها جيدًا؛ من إسكندرية إلى أسوان.. فكيف تفسر ذلك؟
أنا شخصية انعزالية، لا أحضر الكثير من الندوات الثقافية، لا أصنع
الكثير من العلاقات، ولا أحبّ المصالح المتبادلة. أخلص للكتابة وحدها، وأنا أخلص
لها لأنها تمتعني، وهي تهبني الجوائز أو المجد أو احترام القراء في مقابل إخلاصي
لها. البعض يئول العزلة إلى الغرور، والجهد إلى الحظ. أنا لا أستمع إلى هذه
الأقاويل. أصم أذنيَ وأمشي. أعرف طريقي جيدًا. العزلة تتيح الوقت للكتابة، للتأمل،
للسفر. أثناء كتابة سورة الأفعى زرت كل الأماكن الموجودة في النص، من أبو الريش في
أسوان إلى كوم الشقافة في الإسكندرية، كان مثل هذا البحث ضروريًا. الحكمة التي
أعرفها تقول: من يكون وحيدًا، يكتب كثيرًا.
-
هل تعتقد أن عملك
القادم سيصل إلى منزلة أعلى من سورة الأفعى؟
أنا راض عن سورة الأفعى بشكل كبيرٍ، لكن إذا كانت هي النص الكامل، أو
النص الذي يعني اكتمالي، سأستسلم للموت.
تعليقات
إرسال تعليق