مصطفى الشيمي: غاية النص الأدبي صناعة الدهشة - جريدة الأهرام




مصطفى الشيمي: غاية النص الأدبي صناعة الدهشة - جريدة الأهرام

حوار ــ رانيا رفاعى




بأكثر من عين يمكن للقارئ النظر لأعمال الروائى الشاب مصطفى الشيمي: فهناك من يراه خارجًا عن السياق، وهناك من يراه فاتحًا ومؤسسًا لمدرسة جديدة متمردة فى الحكي، لكنه فى النهاية صاحب تجربة متميزة رغم الجدل المثار حولها. فالشيمى هو صاحب رواية «سورة الأفعى» التى قال إنه كتبها وكأن به مس من الشيطان، ثم جاءت المفاجأة بفوزها بجائزة ساويرس الثقافية. فحاورناه لنتعرف منه عن قرب على ملابسات كتابة روايته «سورة الأفعى»، ومفاهيم تناوله للثوابت التى لم تبدُ «ثوابت» فى أعماله.

أنت روائى صادم: فى أفكارك، وأساليبك، ومفرداتك اللغوية، وحتى فى تعريفاتك للأمور البسيطة التى بدت لنا منذ الأبد منطقية. لماذا؟

أعتقد أن غاية النص الأدبى هو صنع الدهشة، الصدمة، غاية النص الأدبى هو أن يكون -بتعبير كافكا- فأسًا يحطم بحر الجليد فينا. عندما أشرع فى كتابة عمل أدبى أبدأ من المنظور أو الزاوية التى ألتقط منها الحدث أو أنظر منها إلى العالم، لا أحاول محاكاة الحياة بقواعدها ورتابتها، بل أعيد الصياغة والخلق.إمتاع القارئ هى غاية النص الأدبي، وهذه الغاية البسيطة تتم من خلال نص أدبى معقد، رموز صغيرة متشابكة تصنع منظومة ثقافية، وعلى القارئ لكى يحسن تلقيها أن يهدمها ويعيد بناءها من جديد وفق ما يملك من وعى وثقافة، فيكون الناتج من القراءة غير ما يقصده الكاتب، نصًا غير محدد، واسع الدلالات، قادرا على الصمود أمام الزمن.

قلت فى أحد حواراتك الصحفية أنك دونت روايتك «سورة الأفعى» وكأن بك مسًا من الشياطين، احك لنا المزيد عن هذه التجربة فى الكتابة، ولماذا وصفتها بهذا الوصف؟

وصفت «سورة الأفعى» بأنها نص مقدس، لأنها تحمل من روح الملاحم والأساطير، فمفتتح الرواية هو صوت الرب فى التوراة «حرب هى حياة الإنسان على الأرض» أما البذرة التى تشكل منها العالم فكانت مقولة «إن آلام سكرة الموت تضاهى انتزاع ضرس تالف» التى ترددت فى رأسى بعد حلم، وبدت العبارة مثل بذرة تحتضن داخلها كونًا كاملًا، تنفجر فأرى وجوه الأبطال وأسمع أصواتهم فى آن واحد، يستغيثون بى أو يصرخون فيّ «أكتبنا». «فالكتابة تهبهم الحياة أو تعلن فقط عن وجودهم، والفنان يمثل الإنسان الجمعي، ونحن نحكى عن بشر عاشوا على الأرض، أو عن بشر كانوا سيعيشون عليها لولا أن منعتهم المشيئة.

لماذا اخترت فى عنوانها اسم «سورة» والسور دائما قرآنية؟ وهل بحثت عن أحد المعانى المترادفة لكلمة سورة قبل أن يقع الاختيار عليه؟

لفظة سورة ارتبطت بالقرآن بعد نزول الوحي، وقبل ذلك كانت لفظة مستخدمة فى لغة العرب، أى أن القرآن لم يستحدثها من عدم، بل أصبح للفظة معناها الاصطلاحى والفقهى بعيدًا عن معناها اللغوي. وأردت باختيار هذا العنوان التعبير عن منزلة الإنسان المقدسة والمدنسة، فهو يحمل النقيضين، ويمهد للصراع والحرب الموجودة فى النص من خلال هذا التضاد، فعالم الرواية أقرب ما يكون إلى رقعة شطرنج، وكنت أعرف أن اختيار مثل هذا العنوان شائك، لكن ما فائدة الأدب إذا لم يحرر اللغة من النصوص القديمة، ومن القيود المفروضة عليها؟

الرواية مكتوبة بلغة هى أقرب للشِعر وكثيرون رأوا فيها قصيدة نثر طويلة أو مجموعة من القصص القصيرة المتراصة بجانب بعضها بما يشكل رواية، كيف خطر إلى ذهنك هذا البناء الروائى العجيب؟

سورة الأفعى كسرت الحدود بين الأجناس الأدبية، وهى سمة الكتابات الحداثية، إذ أخذتْ من لغة الشعر لإيجاد لغة جديدة تجعل النص ذا دلالات متعددة، وأخذت من القصة ما جعل بنيتها أقرب ما تكون إلى متاهة أو شظايا مبعثرة، والمسرح موجود أيضًا من خلال أربع محاورات بدت مثل نقلات الشطرنج، كل رد محاولة لقتل الآخر، وفى محاولة القتل هذه تتكشف أسرار هذا العالم.قد يظن البعض أن هذه البنية نتاج تفكير طويل أو صنعة، لكننى لم أفهم بنية العمل إلا بعد الكتابة، لقد اختار النص البنية التى يعبر بها عن العالم، وجاء الإدراك متأخرًا بعد قراءة ما كتبت، هنا أتوقف لمحاولة الفهم، وأبحث - مثل القارئ- عن معنى، فأجدنى راضيًا تماما عن هذه البنية، وأكتشف بها أشياء فى نفسي، مثل روح يهوذا الحاضرة فى النص، وأقابل أكثر من مسيح مصلوب بين الأبطال، وأعرف أن تجاربى مع الشعر أفادتنى فى كتابة نص روائي، يحمل روحى ويضع قدمى على الطريق، فأترك أثار خطوتي، ولا أتبع أقدام من سبقوني.

هل تعتزم خوض تجربة إصدار طبعة ثانية من الرواية ؟ وإذا أتيحت لك الفرصة عن أى شيء فى روايتك الأولى ستتراجع أو ربما تضيف؟

الطبعة الجديدة من سورة الأفعى ستصدر خلال أيام، بلوحة جديدة للفنان د. جمال الخشن. وبالطبع بعد كتابة العمل يصبح النص ملكًا للقارئ، فلا يحق لى تعديل أى شيءٍ، إلا الأخطاء الطباعية، وإذا كان يمكننى تعديل غير ذلك -على سبيل التخيل- فأنا لا أجد فى النص شيئًا أريد تغييره. تزعجنى رواية سورة الأفعى، رغم أنها كانت محظوظة بأن تنال قراءة واسعة من قبل النقاد والقراء، وكذلك وصولها إلى القائمة القصيرة وفوزها بجائزة ساويرس، وهى تزعجنى لأننى راض عنها بشكل كبير، ولا أحب هذا الشعور بالرضا، فهو شعور مفزع، لذا أرغب فى تجاوزه بكتابة نص أفضل.؟

لمن تقرأ الآن؟

أقرأ الآن ملحمة الإلياذة. وأحبّ كتابة الكثيرين مثل باتريك زوسكيند، ماركيز، محفوظ، درويش، وأحب قراءة الملاحم والسير الشعبية والشعر بصفة عامة.

ما العمل القادم؟

أكتب مجموعة قصصية سريالية، تدور حول الإنسان باعتباره ترسًا فى آلة عملاقة، كما أكتب روايتى التى حصلت بها على منحة التفرغ من وزارة الثقافة، والتى يدور عالمها بين منطقة من التاريخ والغرائبية، وأتمنى أن أنجح فى كتابتها بشكل جيد.

تعليقات

المشاركات الشائعة