مصطفى الشيمي: جائزة “نوبل” جعلت من نجيب محفوظ الوثن الأعظم - السياسة الكويتية

مصطفى الشيمي: جائزة “نوبل” جعلت من نجيب محفوظ الوثن الأعظم

الوضع الثقافي بائس والمبدع الحقيقي يحارب طواحين الهواء



القاهرة – رحاب حامد
جريدة السياسة الكويتية
كتاباته تكسر القوالب الكلاسيكية، لذا يصفه النقاد بالكاتب المشاغب والمثير للجدل. يرى أن الثورة فطرة أساسية في المبدع، يحبُّ العتمة في كتاباته، ينتهج الشك كطريقة تفكير، لا ينافس كتاب جيله، يلعب مع الموتى لا الأحياء، يتعامل مع الكتابة كأنها “لعبة”، يحب اللغة الحية ابنة هذا العصر، يكتب النص الذي يرضي ذائقته ولا يهاب النقاد ولا الجمهور.
عن مجموعته القصصية الجديدة “هكذا تكلم الذئب” روايته المقبلة التي تمتزج فيها الغرائبية بالواقع التاريخي، حلمه كتابة أدب الأطفال واليافعين وتقديم ما يليق بخيالهم.
التقت “السياسة” القاص والروائي مصطفى الشيمي، في هذا الحوار.

ما الرابط بين قصص مجموعتك الجديدة “هكذا تكلم الذئب”؟

أحبّ كتابة المجموعات القصصية بوصفها مشروعا. قصص المجموعة “مربوطة” معًا بموضوع واحد،انتقاد النظام المتمثل في الوظيفة، تغطية ذلك من جوانب متعددة، هذا الارتباط لا يغير من استقلالية كل قصة.
هل تناولت مسارا واحدا في قصصك؟
توجد خطوط كثيرة لكنها تنطلق من نفس النقطة، صنع عالم كابوسي بصورة مضحكة، يغطي كل هواجس الوظيفة المتعلقة بعلاقة المرؤوس بالرئيس، الراتب الشهري، ساعات العمل، الزواج، توفير النفقات. كل هذه الأسئلة تأخذ صورة تعزلها عن الواقع، فتبدو غرائبية، غريبة عن أصلها، تتحول إلى قصص سريالية حيث يمكن للإنسان العمل في مصنع لحوم لصناعة الإنسان، أو يمكن للإنسان المصنوع من لحم أن يعمل كدمية في مصنع للعرائس مع دمى مصنوعة من قطن، توجد أنواع عدة من البشر في ذلك العالم.
هل قابلت أبطال المجموعة في الواقع؟
لا أستطيع الوصول إليهم جميعًا، هم يسكنون اللاوعي، بعضهم أذكره وبعضهم مزج بين وجوه عدة، أحد الذين أذكرهم كان “إبليس” هكذا يدعى في الواقع، في قصتي “حجر معسل” يدعى كذلك، يعمل في الوظيفة ذاتها كصبي قهوة يحمل النار لتغيير حجارة المعسل، أعتقد أنني، أيضًا، كنت مفتتًا داخل القصص في صور عدة، كل هذه الوجوه وجهي.
هل هي قصص واقعية؟
سريالية، تستعير تقنيات الأحلام والكوابيس، تقوم على بنية النكتة أيضًا والمفارقة. رغم أسئلتها الوجودية أو الفلسفية حرصت أن تتسم بالخفة بمفردات خارج التقليد الأدبي لكنها تحمل جمالياتها.
ذاكرة رثة
لماذا يصف النقاد أعمالك بأنها ليست اعتيادية؟
لا أحبّ الكتابة الكلاسيكية التي تمشي على حدث خطي، هل يرجع ذلك لأنني ذو ذاكرة رثة؟ ربما، لا أرى العالم خطًا واحدًا ممتدًا للأمام، أجدني ضائعًا في دوائر، في نظرتي للعالم، طفولتي عبارة عن قطع بازل، لا أذكر التفاصيل التي قادتني إلى هذه النقطة، أنسى أشياء كثيرة، أعتقد أنني أستثمر هذه الذاكرة السيئة، ألعب وفق ما أملك.
كيف تصل بكتاباتك إلى هذا الحد من التداخل؟
مسوداتي رسوم غريبة، الكتابة تأتي في مرحلة متأخرة، هذه الصور تطاردني فأحاول فهمها، أشخبط كثيرًا على الورق،أحاول فك هذا التداخل، في مرحلة متأخرة اكتشفت أن أصدقائي يكتبون عالمهم وحدة متماسكة، ثم يقطعون، يمزقون، يلزقون، حاولت أن أفعل مثلهم ففشلت، أجدني مجبرًا على كتابة العالم ممزقًا.
هل تعتبر نفسك مؤسسًا لمدرسة جديدة؟
لا أشهد لنفسي، لكن الكتابة المتشظية واللا رواية، كانت موجودة من قبلنا، ربما لا توجد نماذج كثيرة لها في الأدب العربي، فالأدب العربي يميل إلى الكلاسيكية، لكنها نماذج موجودة. يمكن القول أنني أنتمي لتيار يتعامل مع الكتابة بوصفها لعبة، لا يقدم نصًا قائمًا على القصدية، لكنني لست الوحيد في هذا التيار، سبقني آخرون، لكننا قلة.
هل تجربتك مع كتابة الشعر أفادتك في عالمك القصصي؟
أحبُّ اللغة الحيّة، ابنة هذا العصر، المفردات التي تغرس جذورها في الطين، لا في الصحراء، تاريخ المفردة تاريخ ميت، لكنها- نابضة بين يدي، بدلالتها المغايرة لذاكرتها الجينية، لا أريد مفردات ميتة. الشعر ساعدني، خلق عندي ذلك الحس، والحدس، الشعر عندي تمارين على الكتابة، هي عادة أحبّ ممارستها في العتمة، لذلك لا أعتقد أنني سأنشر مثل هذه التجارب، سأتخلص منها في وقت ما.
ألا تخشى من رد فعل الجمهور والنقاد أثناء كتابة أعمالك؟
أخاف دومًا من رد فعل القارئ والنقاد، لكن ذلك الخوف لا يسكن لحظات الكتابة، عند الكتابة أكون، وحدي، أكتب النص الذي يرضي ذائقتي، الذي يشبعني، الذي يشبهني، الله لم يخلق النقاد أو القراء أثناء كتابة المبدع للعمل، خلقهم بعد ذلك.


أحبّ الغرائبية


هل تفضل الفانتازيا في كتاباتك؟

أحبّ الغرائبية، لكن الواقع يكون موجودًا كذلك في نصوصي، لا أقدم فانتازيا كاملة على طريقة تولكين أو جورج مارتن، إن كنت أحببتّ كتابة الأخير في” أغنية الجليد والنار” الكتابة عندي تحمل بعض الغرائبية، العجائبية، السريالية، لكنها دومًا ابنة لواقعها، ثمة أرض يمكن الوقوف عليها، أو تاريخ، إن كانت أرضا رخوة، إن كان تاريخا أسطوريا، أو كاذبًا.
بمن تأثرت؟
أحببت نجيب محفوظ، أحببت قواعده للكتابة، الساعات التي لابد أن يقضيها أمام الورقة، استعرت هذه القواعد أيضًا، لابد من الكتابة يوميًا، لابد من الكتابة بجنون، أحببت جنون نجيب سرور أيضًا، كان جنونًا مختلفًا وصادقًا، بين الشيخين أجد نفسي بين طريقتين.
هل تشعر بالرضا عن رواياتك؟
أعتقد أنني أنافس نفسي، أسعى أن أتجاوز دومًا أعمالي القديمة، إن رضيت عنها فهو رضا مبتور، شعور المبدع بالرضا الكامل شعور مميت،أتمنى ألا أفقد الشغف أبدًا تجاه الكتابة بمثل ذلك الشعور.
بم تصف حال المبدعين في بلادنا العربية؟
صورتان لا تفارقان عيني، الأولى للفنان السوداني محمد بهنس الذي مات متجمدًا من البرد على أرصفة القاهرة، الثانية للمخرج المصري أسامة فوزي الذي قتله صناع السينما بعد أربعة أفلام عظيمة، لم يجد منفذًا لينتج فيلمًا جديدًا له في ظل سيطرة صناع الرداءة على الفن، لا أستطيع أن أعمم الصورتين على جميع المبدعين في البلاد العربية، لكنني أرى الوضع الثقافي بائسا، المبدع الحقيقي يحارب طواحين الهواء، لا أعرف حلا.
متى ينجح الكاتب؟
لا أعرف، يخيّل إليّ كثيرًا أن المجد الذي نطارده جميعًا ليس سوى كذبة، عندما أنظر إلى أسماء كتاب من جيل الستينات، مثل، محمد حافظ رجب أو مجيد طوبيا أجدهم منسيين اليوم. ما يريده كل كاتب هو أن تُخلد النصوص التي كتبها، لكن بقاءها أو نسيانها، لا يرجع إلى قيمتها الفنية فقط، بل يرجع في كثير من الأحيان إلى مشيئة كاتب التاريخ الأعمى.
ماذا تعنى لك الكتابة؟
أعتقد أننا نفني أعمارنا في محاولة الإجابة عن هذا السؤال، لكنني أعرفُ أنني كاتب سيترك بصمة في تاريخ الأدب، ربما أتمنى ذلك، كانت هناك مرآة زرقاء في طفولتي، أقف أمامها كثيرًا، تطيل رأسي وتصغره،لم أعرف نفسي بما يكفي لأكون واثقًا تمامًا، متردد، مرتاب، متشكك أمام كل شيء، الكتابة طريقتي الوحيدة لفهم نفسي أو العالم.
هل ترى نفسك كاتبا مثيرا للجدل ومشاغبا؟
ثمة عروش يمكن أن تهددها الكتابة الجديدة التي تنحاز إلى جماليات مغايرة، وتبني عالمها على غياب المعنى، أو تعدده، كتابة تكسر القوالب الكلاسيكية أو اللغة الميتة، لابد أن يُرى صاحبها مشاغبًا، أتفهم أن يراني البعض كذلك، فأنا كاتب يحبُّ العتمة،في العتمة يمكن للخيال أو الهواجس أن تشكل صورًا على خلاف حقيقتك.
لماذا ترى نفسك مختلفا؟
أعتقد أنني خارج حلقة السبق، لا أنافس كتاب جيلي، ألعب مع الموتى لا الأحياء، أطمح أن تصير نصوصي هي القاعدة، فلابد من الثورة على النصوص القواعد بالفعل، ويأتي غيري من بعد ذلك ويلعب اللعبة نفسها،بذلك فإن الثورة فطرة أساسية في المبدع.
هل تعتقد أن كتاباتك تختلف عن كتابات جيلك؟
على المبدع أن يكون مختلفًا عن الآخرين، لست منشغلاً بكتابات غيري، أعرف عالمي جيدًا،أؤسس هذا العالم نصًا بعد نصٍ، بمفردات تنتمي إليّ،بأساطير أعرف أزقتها. أعتقد أنني أكتب في منطقةٍ لا يقربها غيري، لأنني أنحت نفسي بصدق، لذا، نعم، أعتقد أنني كاتب مختلف، عليّ أن أكون كذلك،على الآخرين أن يكونوا كذلك.
الجائزة الأولى
كم جائزة حصلت عليها؟
حصدت الكثير من الجوائز العربية،الدولية،المصرية،منها. القائمة القصيرة لجائزة ساويرس الثقافية 2017، جائزة دبى الثقافية دورة 2015، جائزة أخبار الأدب الدورة الثانية 2016 عن باب الغريب، جائزة المجلس الأعلى للثقافة دورة بهاء طاهر 2015.
هل تصنف نفسك ككاتب جوائز؟
كنتُ محظوظًا بالفوز بهذه الجوائز، وغيرها، الجائزة الأولى قد ينظر إليها المبدع بوصفها ضربة حظ. تكرار الجوائز يخرجها عن دائرة الحظ إلى الاستحقاق، أنا ممتن للجوائز التي فزت بها، والتي خسرتها أيضًا، وهي كثيرة، لا أعتقد اننى أصنف نفسي ككاتب جوائز، ثمة جوائز تضع معايير أخلاقية فوق المعايير الفنية، لا أشارك بها، لا أكتب وفقًا لاتجاهات جائزة ما، بل أكتب نفسي.
هل يوجد كاتب جوائز؟
الجائزة في النهاية، تعبر عن رأي لجنة تحكيم، لجنة تتغير من دورة إلى أخرى،لا يمكن التنبؤ بمعايير الجائزة أو انحيازاتها الفنية في كل دورة، الفوز بالجائزة مقامرة، أفضل المقامرين لا يمكنهم الفوز على امتداد الخط، لذلك لا أعتقد بوجود مثل هؤلاء.
هل تنبأت بحصول أعمال على جوائز أثناء كتابتك لها؟
نعم، مجموعة “بنت حلوة وعود” توقعت أن تفوز بجائزة ما، خسرت جائزة محلية داخل مصر،فازت بجائزة دبي الثقافية، رواية “سورة الأفعى” توقعت فوزها بجائزة ساويرس فكرمتها الجائزة في قائمتها القصيرة، مسرحية “القفص الذهبي” للأطفال، توقعت لها الفوز، فكرمتها جائزة الهيئة العربية للمسرح في قائمتها القصيرة، مع كل نبوءة هناك فوز، نصف فوز، خسارة.
ماذا تعني لك هذه الجوائز؟
ارتبطت هذه الجوائز بوجود فتاة أحببتها، قررنا الدخول معًا في مغامرة مجنونة، لم نكن مستعدين لذلك، أنا وأميرة، كان هناك من يقفون ضدنا، أميرة عانت من زواج قسري أدى لمنعها من اكمال دراستها الجامعية، قاومت، تحررت، تابعت دراستها، عملت للإنفاق على صغيرتها، لما تقابلنا قررنا القفز في الهواء معًا، تزوجنا في بيت فارغ من كل شيء،الجدران على المحارة، لا أثاث هناك، بنينا كل شيء معا، كنت محظوظا بالفوز في ذلك الوقت بجوائز، دبي الثقافية،الهيئة العامة لقصور الثقافة، أخبار الأدب، المجلس الأعلى للثقافة، كانت هذه الجوائز بمثابة قارب نجاة.
ما الجائزة الأقرب إلى قلبك؟
جائزة لم أفز بها بعد.
هل يعني الحصول على الجوائز النجاح للكاتب؟
قد يساعد حصد الجوائز على بقاء أعمال الكاتب، من خلال ترسيخ اسمه، وهو ما يريده المبدع، نجيب محفوظ كاتب عظيم، لا شك عندي في ذلك، لكن جائزة نوبل جعلته الوثن الأعظم، لن يتم تجاوزه إلا بالحصول عليها،وبعض معاصريه لم يروه في المكانة التي نراه فيها اليوم.


إنسان أفضل


ماذا تعلمت من الكتابة؟

تعلمت من الكتابة والفن، أن أفهم نفسي بشكل أفضل، أنا مدين للفنون جميعًا لأنها جعلتني إنسانًا أفضل، أكتب لأحافظ على سلامي النفسي، لأن هذه الطريقة الوحيدة التي أملكها لفهم نفسي أو العالم، لأنني لا أجيد شيئًا آخر، لا أحبّ شيئًا آخر.
ماذا تعلمت في مراحل حياتك؟
تعلمت من طفولتي أن هناك أخطاء صغيرة قد تفسد علينا مستقبلنا، رغم ضآلتها لكن أثرها كأثر الفراشة علينا، في نضجي تعلمت التصالح مع هذه الأخطاء، أن أتعامل مع كل لحظة على أنها ميلاد جديد.
من ساهم في تكوين شخصيتك؟
هذه أشياء أخفيها في الورق أيضًا، ولا أملك الجرأة لكشفها، من أجل ذلك أعتقد أنني قد أجرب، في العتمة، أنواعًا من الأجناس الأدبية، لكنني لن أقرب أبدًا من السيرة الذاتية.
ماذا تعني المرأة لك؟
تحتل مكانة مقدسة في كتاباتي، لكنها تأخذ صورة عشتار، البغي الطاهرة، بكل نقائضها.على المستوى الشخصي فأنا ابن امرأة قوية، نفخ الله فيّ من روحها، صرتُ صورة منها، لي زوجة تقاسمني الخبز والحلم، أخت صغيرة صالحتني مع العالم، من أجل ذلك كتبت في سورة الأفعى “امرأة وراء سقوط طروادة” سقط العالم بسببها، سقط الإنسان من الفردوس لأجلها، لكنها، أيضًا، القادرة على بناء الفردوس على الأرض.
بم تنشغل حاليا؟
دراسة النقد، بدأت دراساتي العليا في المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، أحاول بناء مستقبل لأسرتي وابني الصغير آدم وصغيرتنا رغد، بالطبع تحتل الكتابة نصف رأسي.
ما علاقة المؤلف بالناقد؟
الناقد ضرورة للمبدع، صحيح أن الوضع الثقافي على درجة كبيرة من التفكك، الأمر الذي يعيق التواصل بدرجة كبيرة، مع ازدحام سوق النشر بأعمال رديئة. أعتقد بأن ثمة جهدا لابد أن يبذل من الطرفين، من أجل ذلك اتخذت خطوة دراسة النقد على أيدي أساتذة أعرف مكانتهم، أتمنى أن أساهم بدوري في سد الفجوة الموجودة في الثقافة العربية.
هل يمكن للرواية أن تتبنى فكرا معينا أو أن تخلق جيلا له فكر معين؟
أعتقد ذلك، أول الأعمال التي خلقت فكري في طفولتي كانت رواية”أمريكانلي” لصنع الله إبراهيم، بسبب نقدها للتراث الديني المغلوط، الأمر الذي دفعني لانتهاج الشك كطريقة للتفكير.
ماذا عن روايتك المقبلة؟
تقوم على خطوط متداخلة، بين أجيال مختلفة، تستعير من الأساطير اليونانية فكرة توارث اللعنة، كما أن الغرائبية تمتزج بالواقع التاريخي من خلال رصد لتاريخ السبايا والعبيد في مصر بالقرن التاسع عشر. أسعى من خلالها لتجاوز “سورة الأفعى”بنص أفضل، كما أحلم بالاستمرار في مشروع كتابة أدب الأطفال واليافعين وتقديم ما يليق بخيالهم، بدلا من الأدب الوعظي الذي يفسد ذائقتهم الفنية ولا يعبر عنهم.



غلاف “هكذا تكلم الذئب”

تعليقات

المشاركات الشائعة