سورة الافعى دلالات عالم كابوسي

Image may contain: one or more people and text

سورة الافعى دلالات عالم كابوسي

قراءة الكاتب أحمد حلمي في مجلة عالم الكتاب عدد أغسطس - 2018



رواية متشظية بنائيا، تحمل في طياتها عدة أفكار وتطرح رؤى حول العالم والإنسان والإله. تعتمد في بنائها على مقاطع سردية معنونة، تحمل دلالاتها الخاصة سواء من هذه العناوين أو من طريقة تركيبها البنائي لايصال واحدة من رسائل العمل المتعددة.
سؤال التصنيف الخاص بالراوية يتراجع إلى نهاية قائمة الاسئلة الخاصة بها. لأسباب عديدة من بينها غرابة البناء وتجديده، جزالة اللغة وشعريتها، الرؤى والأفكار والتساؤلات المطروحة، وعشرات الدلالات المتناثرة، والحبكة المركبة والمعقدة والمفضية في نهايتها إلى لا نهاية ودلالة وفكرة جديدة. إلا أن سؤال التصنيف قد يعطى بعض الضوء على تأويل الرواية، ويفتح لنا مدخلًا يمكننا من تحليلها. فالرواية تعتبر واحدة من علامات الديستوبيا في الرواية العربية لجيل كاتبها. فهي تحملنا إلى عالم كابوسي قبيح، أو إلى الجانب الكابوسي القبيح من عالمنا، صادمة الوعي برؤيتها الخاصة لهذا العالم. رغم المحاولات الجاهدة في إضافة وإنبات الجمال داخل هذا القبح والظلام. جائت هذه المحاولات في صورة لغة شعرية ومشاهد وصور وروائح جمالية، ونفحات صوفية ونماذج شخصيات شبه ملائكية. إلا أن كل هذا أثبت الكابوس القبيح ولم يخفف من وطئته.
السارد في الرواية هو راوي عليم. إله غاضب على الجميع. صنعهم من سخطه وقبحه. ويسرد لنا حكاياتهم بنبرة غاضبة دائنة للكل. تنبع منه الحكايات من قمة الأزمة الوجودية لشخصياته، ثم يعود إلى سرد بدايات تكوينهم في عصر البراءة والطهر، وينتقل بين هذين العصرين، من بدايات الحلم والأمل إلى قمة البؤس والسقوط الواصل إليه الشخوص. فكل شخصية ظهرت ثم حُكيت حكايتها، تمر بهذه المرحلة من البراءة او السذاجة حتى تصل إلى قاع الخطيئة أو المأساة.
هذا الراوي شديد الغضب والبغض ينافس آلهة الاولمب في عبثيتها وجنونها. إلا أنه اجتهد في إخفاء هذه العبثية والجنون وراء النبرة الغاضبة والإدانة التي وزعها على الجميع، الشخوص، العالم، الساسة، الملوك، والالهة جميعها بلا استثناء، ليظهر في مظهر الراصد الناقد فقط للعالم.
لغة النص هي لغة شعرية متزنة، تميل للتكثيف والقول على قدر الحاجة. لا تعتمد على التشبيه والمجاز والصور الجمالية المعتادة. لكنها تعتمد غالبًا على الدلالة والإشارات المرجعية لإيصال المعنى. وترسم صور حية للمشاهد دون إطناب إو تجميل إو صنعة مصطنعة. هذه اللغة كانت إحدى أدوات الدلالة البنائية للنص. فبدء من العنوان واستمرارًا مع اللغة وتقسيم النص إلى مقاطع قصصية معنونة، جعل النص يمثل محاكاة للنصوص المقدسة تبدو هذه المحاكاة قصدية لإيصال فكرة ورؤية النص، كما أنها فضحت لعبة الراوي سابقة الذكر.
هذه المحاكاة البنائية كما اعتمدت على المقاطع القصصية المعنونة والتي تحمل دلالاتها في العنوان والتركيب، اعتمدت على أطلاق الحكم والامثال في ما يشبه الآيات المقدسة، إضافة إلى الصلوات التي ذكرت متضمنة ومفردة طوال النص. هذا التركيب البنائي أكد فكرة الكتاب المقدس لذلك الإله الغاضب.
مثلث جوهر وحسن ونجم الدين يمثل إطار العالم الروائي الكبير بعلاقاته المتشعبة وصراعاته المتفجرة. وتنتهي الرواية باجتماع الثلاثة مع نسائهم جميعًا في مشهد واحد يتمخض عن فكرة تبدو للوهلة الأولى مستحيلة، إلا أن نهاية المشهد تثبتها بشكل ما. الفكرة التي يحملها المثلث تقول أن الثلاثة ليسوا سوى تجليات مختلفة لنفس الشخص. وهو الانسان في العموم أو فكرة الإنسانية واتجهاتها الفكرية المختلفة بين المادية البحتة والصوفية الصرفة ومحاولة الجمع بينهم والتي تفشل فتصنع مسخًا وتخرج شرًا.
إلا أن هذا المثلث محمل أيضًا بالمزيد من التمثيلات والأزمات الوجودية. فحسن الغريب يحمل ويعاني من ثنائية الحياة والموت، والمفاضلة بينهم في البحث عن المعنى، ونجم الدين يمثل ثنائية الطهر والدنس والجنة والجحيم والسماوي والارضي في نفس الانسان. بينما جوهر يحمل سؤال ويعكسه في نفس الوقت عبر ثنائيته، والتي تتأرجح بين الجمال والقبح. فحالة جوهر أشمل وأعم وتطرح تساؤلاتها للباقي أضلاع المثلث، حول أيهما أجمل وأيهما أقبح، بين طرفي ثنائيته الخاصة.
تعتمد الرواية على المقولات الجاهزة البديلة عن الآيات، والتي تنبئ وتخبر عن رؤية الرواية. ومن أمثلة ذلك:
"الدرس الإلهي الاول المعرفة خطيئة"
"اذا كان سيدك اعمى فلماذا تريده ان يبصر"
"ثمة شيخ داعر وقواد أمين"
وغيرها من المقولات المعبرة، كما كانت الحوارات بين الأحدب والشيخ والعاهرة والبابلي والكهنة تعبيرًا صريحًا عن رؤى الرواية وطرحها.
من الرؤى التي تطرحها الرواية، والتى يجب التوقف عندها كانت حول المرأة. فالمرأة هنا هي سر الغواية ومحور الحياة وحركة العالم والتاريخ. بعدها يأتي مفهوم القوادة وكونها سبيل النجاح الوحيد في عالم الكابوس. واخيرا مقولة الحب والحرب وجهان لعملة واحدة.
حبكة الرواية تتمحور حول دلالة المشهد الأخير. من التجليات المختلفة المتمثلة في مثلث الشخصيات وتشابه التاريخ الشخصي لهم ومنطلقاتهم ومئالاتهم. واعتمدت على عرض الأزمات المختلفة المحتمل حدوثها لكل تجلي من تجليات الانسان، والصراعات والتفعلات بين الشخصيات المتعلقة والمنبثقة من رؤس هذا المثلث، وبذلك تحقق مقولة ميلان كونديرا حول الرواية الحقيقية والتي تبحث امكانات الوجود وليست تلك التي تعيد انتاج الواقع.
وفي الأخير الرواية هي رواية ما بعد حداثية خالصة. من خلال البناء بشكل خاص. ومن خلال الدوستوبيا المصنوعة بها لا تطرح رؤية مغايرة للعالم، بل رصد لجانب من جوانبه، لكن تميزها يكمن في صدمة الوعي التي تصنعها، والرؤية البنورامية التي ترسمها
.

تعليقات

المشاركات الشائعة